كتب آدم واردن مقالة تكشف كيف يظل الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي متجذرين في المجتمع الإسرائيلي، مدعومين بشبكات إجرامية منظمة، وثغرات في الحوكمة، واستهداف للفئات الهشة.
ويوضح الكاتب أن تطبيق قوانين مكافحة الاتجار يجري بانتقائية وعدم مساواة، خاصة ضد الفلسطينيين والعرب والعمال المهاجرين، حيث يمنح النظام الصهيوني الأولوية للاعتبارات الديموجرافية والأمنية اليهودية على حساب الحقوق الإنسانية العامة. وتتسع هذه الانتهاكات إلى الجيش والسجون، حيث تتكرر حوادث التعذيب والانتهاكات الجنسية بحق المعتقلين الفلسطينيين في ظل حصانة مشابهة لتلك السائدة في أسواق الاتجار.
أوضح تقرير ميدل إيست مونيتور أن الإطار القومي الصهيوني دفع المجتمعات غير اليهودية إلى التهميش السياسي والهشاشة الاقتصادية. فالنساء الفلسطينيات وطالبو اللجوء الأفارقة والعمال المهاجرون من آسيا وأوروبا الشرقية يواجهون عقبات أمام الحماية القانونية والسكن والعمل. الفلسطينيون يعانون مصادرة الأراضي والقيود على الحركة وسياسات تقسيم جائرة تحد من فرصهم الاقتصادية، ما يدفع كثيرين إلى سوق العمل غير الرسمي حيث تزداد مخاطر الاستغلال. أما العمال المهاجرون، الذين جرى استقدامهم بديلاً عن الفلسطينيين، فيقعون تحت عبودية ديون بسبب رسوم الاستقدام الباهظة والقروض الجائرة، وهي ظروف تعززها السياسات الرسمية التي تفضل الأمن والسيطرة السكانية على الحماية الاجتماعية.
انتشرت الشبكات الإجرامية في سوق الاتجار داخل إسرائيل، مدعومة أحيانًا بجهات رسمية غضّت الطرف عن استمرار هذه الأنشطة. عملت الملاهي الليلية في يافا كمراكز للبغاء القسري، حيث جرى استدراج الضحايا عبر إعلانات كاذبة ووسائل التواصل. وأبرزت حوادث خطف اللاجئين في سيناء (2009–2014) البعد العابر للحدود، إذ تعرض إريتريون وإثيوبيون للتعذيب والاغتصاب قبل إدخال بعضهم إلى إسرائيل. وكشفت بيانات مركز الهجرة المختلطة أن أكثر من 43% من المخطوفين على طرق سيناء أشاروا إلى ضلوع حرس حدود أو مسؤولين رسميين.
داخل إسرائيل، رفضت الدولة الاعتراف بهؤلاء كضحايا اتجار، وحرمتهم من الحماية القانونية والتأهيل، بل جرّمتهم باعتبارهم "متسللين" وفق قانون منع التسلل وبناء الجدار مع مصر عام 2013، مما عمّق هشاشتهم.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل ظهر أيضًا ملف جماعة "ليف طاهور" التي تأسست في إسرائيل عام 1988. ارتكبت هذه الطائفة زواجًا قسريًا واستغلالًا للأطفال وعمليات اتجار دولية. ومع انتقالها بين إسرائيل وأمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى، فشلت السلطات الإسرائيلية في تفكيكها منذ البداية، ما أتاح لزعمائها العمل لعقود. وفي 2021 أدانت محكمة أمريكية قادتها بتهم خطف قاصرين وإجبارهم على علاقات جنسية. وفي 2024 داهمت السلطات الغواتيمالية مقر الجماعة وأنقذت أكثر من 200 امرأة وطفل وسط اتهامات بالاغتصاب والحمل القسري. يشير التقرير إلى أن تردد الدولة في التدخل في الأوساط الدينية المتشددة سمح للجماعة بتوسيع نشاطها دون رادع.
كما كشف التقرير عن أن الانتهاكات تمتد إلى نظام السجون الإسرائيلي نفسه. وثّقت الأمم المتحدة ووكالات إعلام مثل رويترز والجارديان حوادث متكررة من اغتصاب وتعذيب وإذلال بحق معتقلين فلسطينيين. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أغسطس 2025 وجود أدلة تربط عناصر الجيش والأمن بهذه الممارسات في مراكز احتجاز بالضفة وغزة.
ومن أبرز القضايا ما جرى في معتقل سد تيمان عام 2024، حيث اعتدى جنود من وحدة "القوة 100" على أسير فلسطيني موثق، بعد أن شكلوا درعًا لحجب الكاميرات، وانهالوا عليه بالضرب والصعق والطعن، ما أدى إلى كسور خطيرة وتمزق داخلي. وصف شهود وأطباء ممارسات تشمل تعرية المعتقلين وتقييدهم لفترات طويلة في ظروف مناخية قاسية. وصنفت منظمات حقوقية مثل "بتسيلم" هذا المعسكر بأنه "مخيم تعذيب".
انتهاكات مشابهة وُثّقت في سجني كتسيعوت ومجدو ومعتقل عوفر، حيث تحدث رجال عن اعتداءات جنسية قسرية وتفتيش مهين، بينما روت نساء فلسطينيات تعرضهن للتعرية والتحرش أثناء التفتيش. ورغم الأدلة، واجه الجنود المتورطون تضامنًا من قطاعات إسرائيلية ونواب اقتحموا القاعدة للمطالبة بالإفراج عنهم، في مشهد يعكس الحماية السياسية لمرتكبي الجرائم بحق الفلسطينيين بذريعة الأمن.
يخلص التقرير إلى أن اقتصاد الاتجار والانتهاكات داخل السجون ينبعان من بيئة واحدة قائمة على انتقائية التنفيذ وتجاهل الفئات الهشة، ضمن نظام حوكمة يرسخ سياسات الفصل العنصري والهيمنة الديموجرافية. سواء في أسواق الجريمة أو في مؤسسات الدولة، يظل الضحايا في غالبيتهم من الفلسطينيين وغير اليهود، ما يجعل هذه الانتهاكات نتيجة طبيعية لبنية سلطوية تعطي الأولوية للسيطرة العرقية على حساب حقوق الإنسان.
https://www.middleeastmonitor.com/20250821-human-trafficking-and-sexual-exploitation-in-israeli-society/